الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا وَأُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ وَأُعْطِيتُمْ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ يُقَالُ يُتْلَى يُقْرَأُ حَسَنُ التِّلَاوَةِ حَسَنُ الْقِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ لَا يَمَسُّهُ لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلَّا الْمُوقِنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَالصَّلَاةَ عَمَلًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ أَخْبِرْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ إِلَّا صَلَّيْتُ وَسُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ الْجِهَادُ ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) مراده بهذه الترجمة أن يبين أن المراد بالتلاوة القراءة وقد فسرت التلاوة بالعمل والعمل من فعل العامل وقال في كتاب خلق أفعال العباد ذكر صلى الله عليه وسلم أن بعضهم يزيد على بعض في القراءة وبعضهم ينقص فهم يتفاضلون في التلاوة بالكثرة والقلة وأما المتلو وهو القرآن فإنه ليس فيه زيادة ولا نقصان، ويقال فلان حسن القراءة ورديء القراءة ولا يقال حسن القرآن ولا رديء القرآن، وإنما يسند إلى العباد القراءة لا القرآن لأن القرآن كلام الرب سبحانه وتعالى والقراءة فعل العبد، ولا يخفى هذا إلا على من لم يوفق ثم قال تقول قرأت بقراءة عاصم وقراءتك على قراءة عاصم، ولو أن عاصما حلف أن لا يقرأ اليوم ثم قرأت أنت على قراءته لم يحنث هو قال وقال أحمد لا تعجبني قراءة حمزة، قال البخاري ولا يقال لا يعجبني القرآن فظهر افتراقهما. قوله (وقول النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل التوراة التوراة إلخ) وصله في آخر هذا الباب بلفظ " أوتي " في الموضعين و " أوتيتم " وقد مضى في اللفظ المعلق أعطى وأعطيتم في باب المشيئة والإرادة في أول " كتاب التوحيد". قوله (وقال أبو رزين) براء ثم زاي بوزن عظيم هو مسعود بن مالك الأسدي الكوفي من كبار التابعين. قوله (يتلونه حق تلاوته يعملون به حق عمله) كذا لأبي ذر ولغيره يتلونه: يتبعونه ويعملون به حق عمله، وهذا وصله سفيان الثوري في تفسيره من رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عنه عن منصور بن المعتمر عن أبي رزين في قوله تعالى وقال الشاعر " قد جعلت دلوي تستتليني " وقال قتادة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا بكتاب الله وعملوا بما فيه. قوله (يقال يتلى: يقرأ) هو كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز في قوله تعالى وفي قوله تعالى قوله (حسن التلاوة: حسن القراءة للقرآن) قال الراغب التلاوة الاتباع وهي تقع بالجسم تارة وتارة بالاقتداء في الحكم وتارة بالقراءة وتدبر المعنى والتلاوة في عرف الشرع تختص باتباع كتب الله تعالى المنزلة تارة بالقراءة وتارة بامتثال ما فيه من أمر ونهى وهي أعم من القراءة فكل قراءة تلاوة من غير عكس. قوله (لا يمسه: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إلا الموقن) وفي رواية المستملي " المؤمن". (لقوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) وحاصل هذا التفسير أن معنى لا يمس القرآن لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به وأيقن بأنه من عند الله فهو المطهر من الكفر ولا يحمله بحقه إلا المطهر من الجهل والشك لا الغافل عنه الذي لا يعمل فيكون كالحمار الذي يحمل ما لا يدريه. قوله (وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والصلاة عملا) أما تسميته صلى الله عليه وسلم الإسلام عملا فاستنبطه المصنف من حديث سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ثم قال ما الإسلام؟ قال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ثم ساقه من حديث ابن عمر عن عمر بلفظ فقال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال أن تسلم وجهك لله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت الحديث، وساقه من حديث أنس بنحوه قال فسمى الإيمان والإسلام والإحسان والصلاة بقراءتها وما فيها من حركات الركوع والسجود فعلا انتهى، والحديث الأول أسنده في " كتاب الإيمان " عن أبي هريرة، والثاني أخرجه مسلم، وأما تسمية الإيمان عملا فهو في الحديث المعلق في الباب: أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله الحديث، وقد أعاده في باب: والله خلقكم وما تعملون، وأما تسمية الصلاة عملا فهو في الباب الذي يليه كما سيأتي بيانه. قوله (وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال إلخ) تقدم موصولا مشروحا في مناقب بلال من مناقب الصحابة رضي الله عنهم، ودخوله فيه ظاهر من حيث إن الصلاة لا بد فيها من القراءة. قوله (وسئل أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله ثم الجهاد ثم حج مبرور) وهو حديث وصله في " كتاب الإيمان " وفي الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وأورده في كتاب خلق أفعال العباد من وجهين آخرين عن الزهري ومن وجهين آخرين عن إبراهيم بن سعد، وأورده فيه من طريق أبي جعفر عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه الحديث، وهو أصرح في مراده لكن ليس سنده على شرطه في الصحيح، وقد أخرجه أحمد والدارمي وصححه ابن حبان وأخرج البخاري فيه أيضا من حديث عبد الله بن حبشي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة وياء كياء النسب مثل حديث أبي جعفر عن أبي هريرة وهو عند أحمد والدارمي، وأورد فيه حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال خير قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله، وقد تقدم في العتق، وحديث عائشة نحو حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهو عند أحمد بمعناه، وحديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال إيمان بالله وتصديق بكتابه، قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والتصديق والجهاد والحج عملا، ثم أورد حديث معاذ قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله، قال فبين أن ذكر الله تعالى هو العمل، ثم ذكر حديث: إنما بقاؤكم فيمن سلف من الأم، أي زمن بقائكم بالنسبة إلى زمن الأمم السالفة، وقد تقدم في مواقيت الصلاة مشروحا وأحد طرفي التشبيه محذوف والمراد باقي النهار. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صُلِّيَتْ الْعَصْرُ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِيتُمْ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ هَؤُلَاءِ أَقَلُّ مِنَّا عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا قَالَ اللَّهُ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ الشرح: و " عبدان " شيخه هو عبد الله بن عثمان " وعبد الله " هو ابن المبارك و " يونس " هو ابن يزيد و " سالم " هو ابن عبد الله بن عمر، وقوله فيه " حتى غربت الشمس " في رواية الكشميهني " حتى غروب الشمس " وقوله " هل ظلمتكم من حقكم من شيء " في رواية الكشميهني " شيئا " قال ابن بطال معنى هذا الباب كالذي قبله أن كل ما ينشئه الإنسان مما يؤمر به من صلاة أو حج أو جهاد وسائر الشرائع عمل يجازي على فعله ويعاقب على تركه إن أنفذ الوعيد انتهى، وليس غرض البخاري هنا بيان ما يتعلق بالوعيد بل ما أشرت إليه قبل، وتشاغل ابن التين ببعض ما يتعلق بلفظ حديث ابن عمر فنقل عن الداودي أنه أنكر قوله في الحديث أنهم أعطوا قيراطا وتمسك بما في حديث أبي موسى أنهم قالوا لا حاجة لنا في أجرك، ثم قال لعل هذا في طائفة أخرى وهم من آمن بنبيه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الأخير هو المعتمد وقد أوضحته بشواهده في كتاب المواقيت وفي تشاغل من شرح هذا الكتاب بمثل هذا هنا إعراض عن مقصود المصنف هنا، وحق الشارح بيان مقاصد المصنف تقريرا وإنكارا وبالله المستعان *3* وَقَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ الشرح: قول (باب) كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وهو ظاهر. قوله (وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا وقال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) أما التعليق الأول فمذكور في حديث ابن مسعود في الباب، وأما الثاني فمضى في كتاب الصلاة من حديث عبادة بن الصامت. الحديث: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْوَلِيدِ ح و حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الشرح: قوله (حدثني سليمان) هو ابن حرب. قوله (عن الوليد وحدثني عباد) أما " الوليد " فهو ابن العيزار المذكور في السند الثاني، والقائل " وحدثني عباد " هو البخاري وعباد شيخه هذا مذكور بالرفض ولكنه موصوف بالصدق وليس له عند البخاري إلا هذا الحديث الواحد وساقه على لفظه، وقد تقدم لفظ شعبة في باب فضل الصلاة لوقتها في أبواب المواقيت من " كتاب الصلاة " وفيه " ثم أي ثم أي " في الموضعين وأوله سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله وعرف منه تسمية المبهم في هذه الرواية حيث قال فيها إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فيحتمل أن يكون الراوي حدث به بالمعنى فأبهم السائل ذهولا عن أنه الراوي كما حذف من صورة السؤال الترتيب في قوله قلت: ثم أي ويحتمل أن يكون ابن مسعود حدث به على الوجهين والأول أقرب و " أبو عمرو الشيباني " شيخ الوليد بن العيزار هو سعد بن إياس أحد كبار التابعين و " الشيباني " الراوي عن العيزار هو أبو إسحاق الكوفي واسمه سليمان وهو تابعي صغير، وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق ورجال سنده كلهم كوفيون، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم الموصلي عن عباد بن العوام فقال في روايته عن أبي إسحاق يعني الشيباني. وقال فيه سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعمال أيها أفضل؟ فهذا مما يؤيد الاحتمال الأول وأن الراوي لم يضبط اللفظ، وشعبة أتقن من الشيباني وأضبط لألفاظ الحديث فروايته هي المعتمدة والله أعلم. *3* الشرح: قوله (باب قول الله تعالى: إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) سقط لأبي ذر لفظ " قول الله تعالى " وزاد في روايته " هلوعا: ضجورا " وهو تفسير أبي عبيدة، قال خلق هلوعا: أي ضجورا، والهلاع مصدر وهو أشد الجزع. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالٌ فَأَعْطَى قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا فَقَالَ إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَقَالَ عَمْرٌو مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ الشرح: قوله (عن الحسن) هو البصري والسند كله بصريون، و " عمرو بن تغلب، بالمثناة المفتوحة والمعجمة الساكنة واللام المكسورة بعدها موحدة هو النمري بفتح الميم والنون والتخفيف، وقد تقدم شرح حديثه هذا في فرض الخمس، والغرض منه قوله فيه " لما في قلوبهم من الجزع والهلع " قال ابن بطال مراده في هذا الباب إثبات خلق الله تعالى للإنسان بأخلاقه من الهلع والصبر والمنع والإعطاء، وقد استثنى الله المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون لا يضجرون بتكررها عليهم ولا يمنعون حق الله في أموالهم لأنهم يحتسبون بها الثواب ويكسبون بها التجارة الرابحة في الآخرة، وهذا يفهم منه أن من ادعى لنفسه قدرة وحولا بالإمساك والشح والضجر من الفقر وقلة الصبر لقدر الله تعالى ليس بعالم ولا عابد، لأن من ادعى أن له قدرة على نفع نفسه أو دفع الضر عنها فقد افترى انتهى ملخصا، وأوله كاف في المراد فإن قصد البخاري أن الصفات المذكورة بخلق الله تعالى في الإنسان لا أن الإنسان يخلقها بفعله، وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر المرزوق في الآخرة، وأما في الدنيا فإنما تقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية، فكان صلى الله عليه وسلم يعطي من يخشى عليه الجزع والهلع لو منع، ويمنع من يثق بصبره واحتماله وقناعته بثواب الآخرة، وفيه أن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته إلا من شاء الله، وفيه أن المنع قد يكون خيرا للممنوع كما قال تعالى *3* الشرح: قوله (باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه) يحتمل أن تكون الجملة الأولى محذوفة المفعول والتقدير: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل، يحتمل أن يكون ضمن الذكر معنى التحديث فعداه بعن فيكون قوله عن ربه متعلق بالذكر والرواية معا، وقد ترجم هذا في كتاب خلق أفعال العباب بلفظ: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ويروى عن ربه وهو أوضح، وقد قال ابن بطال معنى هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن انتهى، والذي يظهر أن مراده تصحيح ما ذهب إليه كما تقدم التنبيه عليه في تفسير المراد بكلام الله سبحانه وتعالى، وذكر فيه خمسة أحاديث. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْهَرَوِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً الشرح: قوله (حدثني محمد بن عبد الرحيم) هو أبو يحيى البغدادي الملقب صاعقة، وأبو زيد من شيوخ البخاري قد حدث عنه بلا واسطة في باب إذا رأى المحرمون صيدا في أواخر " كتاب الحج " وكذا في غزوة الحديبية. قوله (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) هذه رواية قتادة وخالفه سليمان التيمي كما في الحديث الثاني، فقال " عن أنس عن أبي هريرة " فالأول مرسل صحابي. قوله (يرويه عن ربه عز وجل) في رواية الإسماعيلي " من طريق محمد بن جعفر ومن طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال ربكم. وفي رواية أبي داود الطيالسي " عن شعبة " ومن طريقه أخرجه أبو نعيم " يقول الله". قال الإسماعيلي قوله " قال ربكم " وقوله " يرويه عن ربكم " سواء أي في المعنى. قوله (إذا تقرب العبد إلي شبرا) في رواية الإسماعيلي " مني " وفي رواية الطيالسي " إن تقرب مني عبدي " والأصل هنا الإتيان بمن، لكن يفيد استعمال " إلى " بمعنى الانتهاء فهو أبلغ. قوله (تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي) في رواية الكشميهني " مني " وكذا للإسماعيلي والطيالسي. قوله (ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) لم يقع " وإذا أتاني " إلخ في رواية الطيالسي قال ابن بطال وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتدانى الأجسام وذلك في حقه تعالى محال فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرا وذراعا وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثباته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا، ونقل عن الطبري أنه إنما مثل القليل من الطاعة بالشبر منه والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلا على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته أن ثواب عمله له على عمله الضعف وأن الكرامة مجاوزة حده إلى ما يثيبه الله تعالى. وقال ابن التين القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى وقال الراغب قرب العبد من الله التخصيص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله بها وإن لم تكن على الحد الذي يوصف به الله تعالى نحو الحكمة والعلم والحلم والرحمة وغيرها، وذلك يحصل بإزالة القاذورات المعنوية من الجهل والطيش والغضب وغيرها بقدر طاقة البشر وهو قرب روحاني لا بدني، وهو المراد بقوله إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منه ذراعا. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا أَوْ بُوعًا وَقَالَ مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشرح: قوله (يحيى) هو ابن سعيد القطان و " التيمي " هو سليمان بن طرخان. قوله (ربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تقرب العبد مني) كذا للجميع ليس فيه الرواية عن الله تعالى، وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى القطان، وأخرجه من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى فقال فيه " عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل وقال مسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا " يحيى " هو ابن سعيد وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان فذكره بلفظ " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل". قول (وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا أو بوعا) كذا فيه بالشك وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي، وقد تقدم في باب قول الله تعالى وقال الباجي الباع طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره وذلك قدر أربعة أذرع وهو من الدواب قدر خطوها في المشي وهو ما بين قوائمها، وزاد مسلم في روايته المذكورة " وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة " وفي رواية ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عند الإسماعيلي: وإذا تقرب مني بوعا أتيته هرولة. قوله (وقال معتمر) هو ابن سليمان التيمي المذكور وأراد بهذا التعليق بيان التصريح بالرواية فيه عن الله عز وجل وقد وصله مسلم وغيره من رواية المعتمر كما سأنبه عليه. قوله (عن أبي هريرة عن ربه عز وجل) كذا سقط من رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني لفظة " عن النبي صلى الله عليه وسلم " وثبتت للمستملي والباقين وقال عياض عن الأصيلي لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الفربري، وقد ألحقها عبدوس. قلت: وثبتت عند مسلم عن محمد بن عبد الأعلى عن المعتمر ولم يسق لفظه لكنه أحال به على رواية محمد بن بشار وأخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن محمد بن عبد الأعلى فقال في سياقه " عن أبيه حدثني أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تعالى، ووصلها الإسماعيلي أيضا من رواية عبيد الله بن معاذ حدثنا المعتمر قال حدث أبي عن أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تبارك وتعالى، ووصله أبو نعيم من طريق إسحاق بن إبراهيم الشهيد حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه عز وجل، ووقع عند ابن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا معتمر بن سليمان حدثني أبي أخبرني أنس بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا تقرب العبد مني شبرا، فذكره وقال فيه " باعا " ولم يشك، وفي آخره " أتيته هرولة " وزاد " وإن هرول سعيت إليه والله أسرع بالمغفرة " قال البرقاني بعد أن أخرجه في مستخرجه من طريق الحسن بن سفيان لم أجد هذه الزيادة في حديث غيره يعني محمد بن المتوكل انتهى، وهو صدوق عارف بالحديث عنده غرائب وأفراد وهو من شيوخ أبي داود في السنن والقول في معناه كما تقدم قال الخطابي في مثل مضاعفة الثواب يقبل من أقبل نحو آخر قدر شبر فاستقبله بقدر ذراع، قال ويحتمل أن يكون معناه التوفيق له بالعمل الذي يقربه منه وقال الكرماني: لما قامت البراهين على استحالة هذه الأشياء في حق الله تعالى وجب أن يكون المعنى: من تقرب إلي بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب وإن كانت كيفية إتيانه بالطاعة بطريق التأني يكون كيفية إتياني بالثواب بطريق الإسراع، والحاصل أن الثواب راجح على العمل بطريق الكيف والكم ولفظ القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو إرادة لوازمها. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الشرح: حديث محمد بن زياد وهو الجمحي سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال: لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به، في رواية " محمد بن جعفر " وهو غندر عن شعبة يرويه عن ربه عز وجل: لكل عمل كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، أخرجه أحمد عنه وأورده الإسماعيلي من طريق غندر وأورده من طريق علي بن أبي الجعد ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بلفظ " لكل عمل كفارة " وقد تقدم شرحه في " كتاب الصيام". الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ الشرح: حديث أبي العالية وهو رفيع بفاء مصغر الرياحي بكسر الراء بعدها تحتانية ثم حاء مهملة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه، أورده من طريق شعبة ومن طريق " سعد " وهو ابن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عنه وساقه على لفظ سعيد، وقد تقدم في ترجمة يونس عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن حفص بن عمر بالسند المذكور هنا، ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد، فذكره وأخرجه في تفسير سورة الأنعام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة كذلك وصرح فيه بالتحديث عن ابن عباس ولفظه " عن أبي العالية حدثني ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم " يعني ابن عباس قال أبو داود بعد أن أخرجه عن حفص بن عمر عن شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث، وفي موضع آخر أربعة أحاديث هذا أحدها. قلت: قد أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن قتادة " سمعت أبا العالية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ولم أر في شيء من الطرق عن شعبة فيه عن ربه ولا عن الله عز وجل، وكذا تقدم في آخر تفسير النساء من حديث ابن مسعود ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما " ليس فيه عن ربه " وحكى ابن التين عن الداودي قال أكثر الروايات ليس فيها " فيما يروى عن ربه " فإن كان هذا محفوظا فهو ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم وساق الكلام على ذلك كما مضى في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو وارد سواء كان في الرواية عن ربه أو لم يكن بخلاف ما يوهمه كلامه. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ قَالَ فَرَجَّعَ فِيهَا قَالَ ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ قَالَ آ آ آ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الشرح: قوله (حدثنا أحمد بن أبي سريج) وهو بمهملة ثم جيم، وهو أحمد بن عمر فقيل هو اسم أبي سريج وقيل أبو سريج جد أحمد، وأحمد يكنى أبا جعفر. قوله (عبد الله بن المغفل) بالغين المعجمة وتشديد الفاء. وفي رواية حجاج بن منهال عن شعبة " أخبرني أبو إياس " وهو معاوية بن قرة " سمعت عبد الله بن المغفل " تقدم في فضائل القرآن. قوله (سورة الفتح أو من سورة الفتح) في رواية حجاج " سورة الفتح " ولم يشك. قوله (فرجع فيها) بتشديد الجيم أي ردد الصوت في الحلق والجهر بالقول مكررا بعد خفائه ووقع في رواية آدم عن شعبة، وهو يقرأ " سورة الفتح أو من سورة الفتح " قراءة لينة يرجع فيها " أخرجه في فضائل القرآن أيضا. قوله (ثم قرأ معاوية) ابن قرة (يحكى قراءة ابن مغفل) هو كلام شعبة، وظاهره أن معاوية قرأ ورجع، ووقع في رواية مسلم بن إبراهيم في تفسير سورة الفتح عن شعبة قال معاوية: لو شئت أن أحكي لكم قراءته لفعلت، وفي غزوة الفتح عن أبي الوليد عن شعبة لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع، وهذا ظاهره أنه لم يرجع وهو المعتمد، ويحمل الأول على أنه حكى القراءة دون الترجيع بدليل قوله في آخره كيف كان ترجيعه، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن شعبة فقال فيه قال معاوية: لولا أن أخشى أن يجتمع عليكم الناس لحكيت لكم عن عبد الله بن مغفل ما حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله (فقلت لمعاوية) أي ابن قرة والقائل شعبة. قوله (كيف كان ترجيعه قال آ آ آ ثلاث مرات) قال ابن بطال في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت، وقول معاوية " لولا أن يجتمع الناس " يشير إلى أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المهيمنة. وفي قوله آ بمد الهمزة والسكوت دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعى في قراءته المد والوقف انتهى، وقد تقدم شرح هذا كله في أواخر فضائل القرآن في باب الترجيع. وقال القرطبي يحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وبالله التوفيق، قال ابن بطال: وجه دخول حديث عبد الله بن مغفل في هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم كان أيضا يروي القرآن عن ربه كذا قال. وقال الكرماني: الرواية عن الرب أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بدون الواسطة وبالواسطة وإن كان المتبادر هو ما كان بغير الواسطة والله أعلم.
*3* لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا تَرْجُمَانَهُ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْآيَةَ الشرح: قوله (باب ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله) كذا لأبي ذر ولغيره " من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله تعالى " وكل منهما من عطف العام على الخاص لأن التوراة من كتب الله. قوله (بالعربية وغيرها) أي من اللغات، في رواية الكشميهني " بالعبرانية وغيرها " ولكل وجه، والحاصل أن الذي بالعربية مثلا يجوز التعبير عنه بالعبرانية وبالعكس، وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا الأول قول الأكثر. قوله (لقول الله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) وجه الدلالة أن التوراة بالعبرانية، وقد أمر الله تعالى أن تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فقضية ذلك الإذن في التعبير عنها بالعربية ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث. الحديث الأول: قوله (وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه) في رواية الكشميهني " بترجمانه " (ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) هذا طرف من الحديث الطويل الذي تقدم موصولا في بدء الوحي وفي عدة مواضع، وتقدم شرحه في أول الكتاب وفي تفسير سورة آل عمران ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل باللسان العربي، ولسان هرقل رومي، ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه، والمترجم المذكور هو الترجمان وكذا وقع، واستدل البخاري في كتاب خلف أفعال العباد بقصة هرقل لمطلوبه أن القراءة فعل القارئ فقال قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى قيصر: بسم الله الرحمن الرحيم وقرأه ترجمان قيصر على قيصر وأصحابه، ولا يشك في قراءة الكفار أنها أعمالهم، وأما المقروء فهو كلام الله تعالى ليس بمخلوق ومن حلف بأصوات الكفار ونداء المشركين لم يكن عليه يمين، بخلاف ما لو حلف بالقرآن. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ الْآيَةَ الشرح: حديث أبي هريرة " حدثنا محمد بن بشار " ذكره بهذا الإسناد في تفسير البقرة، وفي باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء من " كتاب الاعتصام " وهنا وهو من نوادر ما وقع له فإنه لا يكاد يخرج الحديث في مكانين فضلا عن ثلاثة بسياق واحد بل يتصرف في المتن بالاختصار والاقتصار وبالتمام، وفي السند بالوصل والتعليق من جميع أوجهه، وفي الرواة بسياقه عن راو غير الآخر فبحسب ذلك لا يكون مكررا على الإطلاق ويندر له ما وقع هنا وإنما وقع ذلك غالبا حيث يكون المتن قصيرا والسند فردا، وقد سبق الكلام على بعضه في تفسير سورة البقرة قال ابن بطال: استدل بهذا الحديث من قال تجوز قراءة القرآن بالفارسية، وأيد ذلك بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء عليهم السلام كنوح عليه السلام وغيره ممن ليس عربيا بلسان القرآن وهو عربي مبين وبقوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ الْيَهُودِ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لِلْيَهُودِ مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا قَالُوا نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا قَالَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَجَاءُوا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ يَا أَعْوَرُ اقْرَأْ فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ الشرح: حديث ابن عمر في رجم اليهوديين وقد تقدم شرحه في " كتاب الحدود " و " إسماعيل " في السند هو ابن إبراهيم بن مقسم المعروف بابن علية و " أيوب " هو السختياني، وقوله فيه " فقالوا لرجل ممن يرضون أعور اقرأ " كذا للكشميهني وهو مجرور بالفتحة صفة رجل. وفي رواية غيره " يا أعور " وهو بالرفع وقوله " فوضع يده عليها " أي على آية الرجم، وعند الكشميهني " عليه " أي على الموضع. قوله (قال ارفع يدك) كذا أبهم القائل وتقدم أنه عبد الله بن سلام، والواضع هو عبد الله بن صوريا، وقوله "نتكاتمه " أي الرجم، وعند الكشميهني " نتكاتمها " أي الآية. *3* الشرح: قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر) أي الحاذق والمراد به هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ. قوله (مع سفرة الكرام البررة) كذا لأبي ذر إلا عن الكشميهني فقال " مع السفرة " وهو كذلك للأكثر، والأول من إضافة الموصوف إلى صفته والمراد بالسفرة الكتبة جمع سافر مثل كاتب وزنه ومعناه، وهم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ فوصفوا بالكرام أي المكرمين عند الله تعالى، والبررة أي المطيعين المطهرين من الذنوب وأصل الحديث تقدم مسندا في التفسير لكن بلفظ: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، وأخرجه مسلم بلفظه من طريق زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة مرفوعا " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة " قال القرطبي الماهر: الحاذق وأصله الحذق بالسباحة، قاله الهروي والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردد فيه لكونه يسره الله تعالى عليه كما يسره على الملائكة فكان مثلها في الحفظ والدرجة. قوله (وزينوا القرآن بأصواتكم) هذا الحديث من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه، وقد أخرجه في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بهذا، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن حبان في صحيحه، وعن ابن عباس أخرجه الدار قطني في الإفراد بسند حسن وعن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البزار بسند ضعيف، وعن ابن مسعود وقع لنا في الأول من فوائد عثمان بن السماك ولكنه موقوف، قال ابن بطال: المراد بقوله " زينوا القرآن بأصواتكم " المد والترتيل والمهارة في القرآن جودة التلاوة بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسره على الكرام البررة قال: ولعل البخاري أشار بأحاديث هذا الباب إلى أن الماهر بالقرآن هو الحافظ له مع حسن الصوت به والجهر به بصوت مطرب بحيث يلتذ سامعه انتهى، والذي قصده البخاري إثبات كون التلاوة فعل العبد فإنها يدخلها التزيين والتحسين والتطريب، وقد يقع بأضداد ذلك وكل ذلك دال على المراد، وقد أشار إلى ذلك ابن المنير فقال ظن الشارح أن غرض البخاري جواز قراءة القرآن بتحسين الصوت وليس كذلك، وإنما غرضه الإشارة إلى ما تقدم من وصف التلاوة بالتحسين والترجيع والخفض والرفع ومقارنة الأحوال البشرية كقول عائشة " يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض " فكل ذلك يحقق أن التلاوة فعل القارئ وتتصف بما تتصف به الأفعال ويتعلق بالظروف الزمانية والمكانية انتهى، ويؤيده ما قال في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن أخرج حديث " زينوا القرآن بأصواتكم " من حديث البراء وعلقه من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما، وذكر حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا موسى لقد أوتيت من مزامير آل داود، وأخرجه من حديث البراء بلفظ سمع أبا موسى يقرأ فقال كأن هذا من أصوات آل داود، ثم قال: ولا ريب في تخليق مزامير آل داود وندائهم لقوله تعالى الحديث: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ الشرح: قوله (ابن أبي حازم) هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار و " يزيد " شيخه هو ابن الهاد، و " محمد بن إبراهيم " هو التيمي، وقد تقدمت الإشارة إليه في باب: وأسروا قولكم أو اجهروا به من " كتاب التوحيد". الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ قَالَتْ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ يُبَرِّئُنِي وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا الشرح: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، ذكر منه طرفا من رواية يحيى بن بكير عن الليث عن " يونس " هو ابن يزيد عن ابن شهاب عن مشايخه وفيه " ولكن والله " وفي رواية الكشميهني " ولكني والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى " فأنزل الله الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أُرَاهُ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ الشرح: ا قوله (يقرأ في العشاء والتين) في رواية الكشميهني " بالتين فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه " وقد تقدم شرحه في " كتاب الصلاة " ومراده منه هنا بيان اختلاف الأصوات بالقراءة من جهة النغم. الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا الشرح: حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث أبي سعيد: لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له الحديث، وقد تقدم شرحه في " كتاب الأذان " ومراده منه هنا بيان اختلاف الأصوات بالرفع والخفض وقال الكرماني وجه مناسبته أن رفع الأصوات بالقرآن أحق بالشهادة له وأولى. الحديث: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ الشرح: قوله (سفيان) هو الثوري و " منصور " هو ابن عبد الرحمن الشيبي، وأمه هي صفية بنت شيبة من صغار الصحابة. قوله (يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض) تقدم شرحه في " كتاب الحيض " وتقدم بيان المراد به من كلام ابن المنير ومنه يظهر وجه مناسبة ذكره في هذا الباب. *3* الشرح: قوله (باب قول الله تعالى فاقرؤوا ما تيسر منه) كذا للكشميهني وللباقين " من القرآن " وكل من اللفظين في السورة والمراد بالقراءة الصلاة لأن القراءة بعض أركانها ذكر فيه حديث عمر في قصته مع هشام بن حكيم في قراءة سورة الفرقان، وقد تقدم شرحه مستوفى في فضائل القرآن. وقوله في آخره " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه " الضمير للقرآن والمراد بالمتيسر منه في الحديث غير المراد به في الآية، لأن المراد بالمتيسر في الآية بالنسبة للقلة والكثرة، والمراد به في الحديث بالنسبة إلى ما يستحضره القارئ من القرآن، فالأول من الكمية، والثاني من الكيفية، ومناسبة هذه الترجمة وحديثها للأبواب التي قبلها من جهة التفاوت في الكيفية ومن جهة جواز نسبة القراءة للقارئ. *3* وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ يُقَالُ مُيَسَّرٌ مُهَيَّأٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ بِلِسَانِكَ هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ عَلَيْكَ وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ قَالَ هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانَ عَلَيْهِ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) قيل المراد بالذكر الأذكار والاتعاظ وقيل الحفظ وهو مقتضى قول مجاهد. قوله (وقال النبي صلى الله عليه وسلم كل ميسر لما خلق له) فذكره موصولا في الباب من حديث علي. قوله (وقال مجاهد يسرنا القرآن بلسانك هوناه عليك) في رواية غير أبي ذر " هونا قراءته عليك " وهو بفتح الهاء والواو وتشديد النون من التهوين، وقد وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قوله (وقال مطر الوراق ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) قال هل من طالب علم فيعان عليه وقع هذا التعليق عند أبي ذر عن الكشميهني وحده وثبت أيضا للجرجاني عن الفربري ووصله الفريابي عن ضمرة بن زمعة عن عبد الله بن شوذب عن مطر، وأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في " كتاب العلم " من طريق ضمرة الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ يَزِيدُ حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ الشرح: حديث عمران بن حصين " قلت يا رسول الله فيم يعمل العاملون؟ قال كل ميسر لما خلق له " وهو مختصر من حديث سبق في كتاب القدر فيه " عن عمران قال قال: رجل يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم. قال: فلم يعمل العاملون " وقد تقدم شرحه هناك و " يزيد " شيخ عبد الوارث فيه هو المعروف بالرشك، وتقدم هناك من رواية شعبة قال حدثنا يزيد الرشك فذكره. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَنَّةِ قَالُوا أَلَا نَتَّكِلُ قَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى الْآيَةَ الشرح: وحديث علي رضي الله عنه وفيه " وما منكم من أحد إلا كتب مقعده من النار أو من الجنة " وتقدم شرحه هناك أيضا وفيه " وفي حديث عمران الذي قبله كل ميسر " قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في شرح حديث أبي سعيد المذكور في باب كلام الله مع أهل الجنة فيه نداء الله تعالى لأهل الجنة بقرينة جوابهم " بلبيك وسعديك " والمراجعة بقوله " هل رضيتم " وقولهم " وما لنا لا نرضى " وقوله " ألا أعطيكم أفضل " وقولهم " يا ربنا وأي شيء أفضل " وقوله " أحل عليكم رضواني " فإن ذلك كله يدل على أنه سبحانه وتعالى هو الذي كلمهم وكلامه قديم أزلي ميسر بلغة العرب، والنظر في كيفيته ممنوع ولا نقول بالحلول في المحدث وهي الحروف ولا أنه دل عليه وليس بموجود، بل الإيمان بأنه منزل حق ميسر باللغة العربية صدق وبالله التوفيق. قال الكرماني حاصل الكلام أنهم قالوا إذا كان الأمر مقدرا فلنترك المشقة في العمل الذي من أجلها سمي بالتكليف، وحاصل الجواب أن كل من خلق لشيء يسر لعمله فلا مشقة مع التيسير. وقال الخطابي أرادوا أن يتخذوا ما سبق حجة في ترك العمل فأخبرهم أن هنا أمرين لا يبطل أحدهما الآخر: باطن وهو ما اقتضاه حكم الربوبية، وظاهر وهو السمة اللازمة بحق العبودية وهو أمارة للعاقبة فبين لهم أن العمل في العاجل يظهر أثره في الآجل وأن الظاهر لا يترك للباطن. قلت: وكأن مناسبة هذا الباب لما قبله من جهة الاشتراك في لفظ التيسير والله أعلم.
|